الاثنين، يناير 01، 2018

مسلسل حوش النورــ رؤيا نقدية

مسلسل حوش النورــ رؤيا نقدية

اخيراً، انتبهت السلطات الظلامية لخطورة العمل الدرامي في توصيل المضامين السياسية للجماهير، وفطنت مؤخراً إلى فاعلية العروض السينمائية كأداة مؤثرة في منازلة خصومها السياسيين. في مسلسل حوش النور الذي عرض عام 2015 عبر قناة ام درمان التلفزيونية، عمدت السلطات الإنقاذية إلى سياسة "من دقنه وافتل له"، فقد سخّر جهاز المغتربين الأموال المتحصلة من هذه الشريحة قسراً، للنيل منهم بقساوة من خلال هذا المسلسل، فلو لا ضمان المنتج الممثل جمال عبد الرحمن الرعاية الكريمة والمسبقة من الجهاز لهذا العمل، والتسهيلات اللوجستية المقدمة من قبل سفارات النظام في عدة دول وعدد من الدوائر الأمنية الحكومية، لا نظنه باستطاعته تحمل التكاليف الباهظة لإنتاج هذا العمل الفني الأضخم في تاريخ السينما السودانية، وقد اشترك في تمثيل الأدوار كبار نجوم الفن في الوقت الراهن، بالإضافة إلى شباب واعد من الجنسين، وقد بذل الجميع اقصى ما لديهم من قدرات فنيّة ومواهب لأداء الأدوار المرسومة لهم، غض النظر عن مغالطات محتوى العقدة الدرامية، التي صوّرت المغترب "المبحبح" والمهاجر المعارض، كرأس رمح في تجارة وترويج وتعاطي المخدرات، بالإضافة إلى تسببهم في النزاعات والتفكيك الأسرى، حتى "الحييشان" الراسخة والراكزة كحوش النور، ولا نستبعد اعتذار بعض كبار النجوم عن الاشتراك في هذا العمل لتجنّيه الواضح على شريحه مقدرة من خيرة ابناء البلد، كانوا وما زالوا جِمال الشيل لمئات الآلاف من الأسر الكريمة على امتداد الحقب والأزمنة، فالمخرج الشاب ابوبكر الشيخ، لم يرصد حسنة واحدة لمغترب او مهاجر، تجاه بلدهم، فقد ركّز عدساته على سلبياتهم تجاه بلدهم وعائلاتهم فقط.
اعترف أننا لا نستطع تجاهل أي عمل درامي سوداني مهما كان محتواه او مستواه، فقد شاهدت هذا العمل الضخم مرتين، محاولاً الوقوف على الإضافات الفنية، من خلال تفكيك بعض ما استوقفنا من مشاهد ورسائل مزجاة تصريحاً او تلميحاً عبر حلقات المسلسل التي بلغت الثلاثين.
كلمة الحوش استخدمت في السينما المصرية والخليجية كذلك، رغم خصوصيتها في السودان، ولمّا اضيفت لها النور، اصبحت اوضح دلالة ورمزية، ورغم كينونة هذا الحوش في منطقة جبل اولياء المعتّق بقباب الصالحين ونيران الخلاوي، فإن نورانية هذا الحوش كانت تنبثق من قدح الكرم والضيافة التي لا يغلق الباب دونه، والمفتوح دوماً لقضاء حوائج الناس من صلحٍ ونصحٍ وإيواء، إلا أن ضياء هذا الحوش قد خفت بموت صاحبه حاج النور، رغم ظهور النور الحفيد لملأ الفراغ.
قوام هذا الحوش ابنان وبنتان، الإبن الأكبر سالم (موسى الأمير) المغترب البرجوازي متورط بشكل أو بآخر في تمويل متعاطي المخدرات من خلال أمواله السائبة لدى صهره هاشم (عوض شكسبير)، والإبن الآخر صلاح (محمد المجتبى) المهاجر المغاضب فقد توَّرط هو الآخر في فترة ما في الترويج للمخدرات، أما زوج الإبنة الصغرى شادية (زينب محمد عبد الله) وهو الضابط خالد (الدكتور طارق على) فهو المسئول على مكافحة المخدرات، والإبنة الكبرى النعمة (منى الصادق) فجعت في رحيل والدها، ولهذا السبب وسبب تفرق اخويها ايدي سبأ في ديار الغربة، وانتقال شقيقتها وصحبتها شادية إلى بيت الزوجية، فقد عانت الوحدة، ولاك الناس في عرضها، كما ارتفعت الأصوات في حوش النور بسبب انانية وفشل الإبن صلاح في مهجره، واثارته قضية ميراث املاك المرحوم حاج النور، لذا ما يمكننا قوله، ان حوش النور لم يعد يشع نورا بعد رحيله بسبب انعكاسات الهجرة والإغتراب.
بكل اسف الشعار الغنائي عبارة عن وعظ ومواويل الشاعر خالد شقّوري نعتقد أن المغترب والمهاجر في غنى عنه، من شاكلة (اوعى يوم شيطان يغشك .. تنسى اخلاقك في يوم) واللحن تراجيدي، المؤثرات الصوتية في غالبيتها جنائزية، باستثناء تلك المصاحبة لمشاهد كسلا وجبل التاكا وتوتيل، فهي انغام ربّابة آسرة، ولا يمكن للمشاهد تجاهلها ونعتقد أن المخرج وفّق في هذا الاختيار.
المعالجات
من منطلق قول ابو العتاهية: الشباب والفراغ والجَدَة X مفسدة للمرء أيٌ مفسدة، يعرض المسلسل عدة معالجات لمشكلة إنتشار المخدرات وسط الشباب، في مجملها، توفير الأنشطة الترفيهية والثقافية والرياضية للشباب وطلاب الجامعات، فقد شاهدنا المنافسات الرياضية بين الكليات، وكذلك الرحِل الخاصة، وأركان النقاش، وحفلات عقد الجلاد. ومن ناحية اخرى وجه حسن سنما رسالة قوية للسطات في رده على شُفّع الجبل الذين سألوه: متى تعمل لينا سنما؟ قائلاً: لمّا يكون في سنما!، ولا نظن أن مثل هذه الرسالة تفوت على المشاهد الحصيف.
وبما أن تعاطي المخدرات، حسب مجريات المسلسل، وفي الواقع كذلك هو سلوك ذكوري بإمتياز، فإن دخول طلاب الجامعات في علاقات عاطفية، من وجهة نظر المخرج، يعتبر افضل من الإنزواء والعُزلة المجيدة المُفضية إلى إدمان المخدرات، كما في حالة طالب الشهادة العربية بكري صاحب النور، وهذه احدى الرسائل المبطنة التي اراد المخرج توصليها إلى المشاهد على استحياء، فعندما يهرب النور من احباطات صاحبه بكري، يبحث عن زميلته وفاء.
بعض شخصيات ونجوم المسلسل
·       سالم النور (موسى الأمير) اكد للمشاهد مرة اخرى انه فنان كبير يجيد الأدوار المركبة، فقد شاهدناه كهمباتي حاذق يتقن ركوب الهجين في مسلسل دكين، وفي هذا المسلسل اجاد دور الأفندي الأنيق، لكن المخرج اظهره كمغترب غير مبالٍ بشئون عائلته الكبيرة إلا كرد فعل، أذ أن قرار تخضير أرض والدهم، جاء من اخته النعمة، ثم تلقّفه عادل وحيران المسيد ليأتي دوره مكملا، والأخيب من ذلك، بينما يعبث صهره هاشم بأمواله في تعاطي وترويج المخدرات، نجد حيران المسيد يزرعون ارض والده بمجهود شبيه بالسخرة، ونجد شقيقة صلاح من ضيق ذات اليد، يضطر إلى مناكفة شقيقاته في ميراث والدهم. رفض والد سهام للمساعدات المالية التي ترسلها له، يصوّر مال زوجها المغترب كأموال مشبوهة وغير نظيفة.
·       صلاح (محمد المجتبى موسى) يرى الدنيا إما ابيض او اسود، فمثلا صاحبه وصهره الضابط خالد، وإن كان مع النظام، فالمجهود الذي يبذله في مكافحة المخدرات، ينبغي أن يكون محل إشادة وتقدير.
·       النعمة (منى الصادق) لقد ابدعت وادهشت الجميع في اداء دور الاخت الجدعة والعمة الحنونة، وهي الشخصية المحورية في حوش النور فقد التزمت بالتوشح بثوب الحداد منذ أن رحل والدها حاج النور في الحلقة الأولى، إلى زواج شقيقها صلاح في نهاية المسلسل، ونعتقد أن سبب مبالغتها في هذا الحزن، فشلها في تدارك قطار الزواج بسبب تنافس درويشين ومتشرد عليها واستسلامها لقرار والدها الرافض لحسن سنما. بلا شك فإن الإلتزام  بزي اوحد وجنائزي طيلة حلقات المسلسل لهو امر مرهق لنجمة شابة، ورغم ذلك ظلت النعمة متألقة.
·       إهتمام عادل بشئون عائلة حاج النور، لا يبدو موقف اصيل لتداخله مع رغبته المتجددة في زواج من النعمة، وهنا ايضا يطرح تساؤل في دور حيران المسيد الغير بعيد عن البطالة وقابلية الإستغلال.
·       هاشم (عوض شكسبير) قدّم افضل ما لديه بعد فيلم (حبة حمراء) ونعتقد انه وجد مساحة امام عدسات الكاميرات اكثر من غيره من نجوم هذا المسلسل، وغالباً ما يزيد حواراته مع شلته الفاسدة في تصاعد العقدة الدرامية. ثبّت قيمة نبيلة بأن جعل من ابن اخته خط أحمر في  وجه متعاطي ومروجي المخدرات. وعندما قالت له اخته سهام: (عايزاك تجي البيت نظيف وصاحي وبراك بدون اصحابك) في اشارة ضمنية إلى أن حوش النور ليس مكانٌ للقذارة والوساخة والسلوك المنحرف.
·       الضابط خالد (د. طارق على) يلاحظ احتفاظه باسم خالد في اكثر من عمل سينمائي. ذهابه اعزلا وبدون حماية لمقابلة ابو الليل، ليضع نفسه تحت رحمته، واسفل فوهة بندقيته، هذا السلوك ينطوي على شخصنة لمهامه الرسمي، وكان من الممكن أن يُقتل بدم بارد نتيجة لمكر ودهاء زعيم عصابة التهريب، وهذا السلوك فيه تهور ويفتقر للاحترافية.
·       صديق (الرشيد احمد عيسى) صوّره المخرج كمغترب اهبل، ينكسر لأية نازلة، يبكي امام زوجته، ولا يستطيع رفع رأسه امام الناس لأية مشكلة تواجه، طيّب حد السذاجة، تورّط في ضمانة بنكية لشخص لمجرد انه سوداني، كلفته وظيفته، وكاد أن يدخل السجن بسببها، وطفق يبكي كالطفل، كأنه لا يدري أن السجن دخله الأنبياء، كما ان إصرار المخرج على عدم إماطة اللثام عن والد صاحبة أبنته نهلة (وسام صلاح) هذا الإصرار يجعلنا نعتقد أن المدعو الجنرال ما هو إلا زعيم اصابة المخدرات في الخرطوم، مما يدل على ان صديق غافل ولا يدري عن المخاطر المحدقة بابنته. الشيء الإيجابي في صديق التزامه بمبدأ عدم الكذب على ابنته مطلقا.
·       زوجات المغتربين، يصورهن المخرج كارهات للبلد، يصفنه بأقزع الأوصاف، متعاليات ومتعجرفات، مبتليات بالشوفينية، وإن كنا لا نرى في هذا الأمر مبالغة.
·       أبناء المغتربين: كل من شاهد المسلسل وضع يده على قلبه وتمنى ألاّ يصاب النور ونهلة وسهى بمكروه، فقد جسدوا البراءة والنقاء، وكانا على حافة مخاطر الانحراف والاستغلال، اظهرهم المخرج كأبناء اصلاء محبين للبلد وعاشقين لمورثاته، ونعتقد أن النور (منهل جمال عبدالرحمن) ونهلة (وسام صلاح) قد حجزا مقعديهما في الصفوف الأمامية في مستقبل الدراما السودانية، وكذلك مرافئ ابنة الصول ادريس التي ابدعت في التعبير عن مشاعرها وكافة مواقفها من خلال الـ body language
·       اتفاق منسوبو المعارضة على أن بلدهم ليس لديه مشكلة من اسرائيل، لا ندرى اهو إتهام ام إقرار؟
·       عدم تقبل اهالي الجبل للأيدي العاملة من خارج نطاق المنطقة، وعدم الوثوق بهم في الأعمال الزراعية وتخضير الأرض، هذا الموقف يعتبر رسالة سالبة لا تتسق مع سماحة الصوفية وأدبيات التصوف.
·       تسليط الضوء على مدخل السفارة الإسرائيلية في باريس، ورصد تردد اقطاب المعارضة عليه، وقول زعيم تجارة المخدرات (شالوم) كآخر كلمة ينطقها قبل مغادرة شقته، وتسليط الضوء علي يافطة مصرف إسلامي، نعتقد أنه تسيس مفضوح لعدسة فنية.
·       ملتقى حسن سنما ومأمون عند (العريجاء) شجرة الحراز المتكئة على الشاطئ، في إشارة إلى حال البلد المائل.
·       حصر متعاطي المخدرات في بكري طالب الشهادة العربية فقط، وقول زعيم عصابة التهريب: (بيجونا وحدين من برا عجيبين) مع بداية فتح الجامعات، ينطوي على تجريم وتنجي نوعي على أبناء المغتربين.
·       من وجهة نظرنا، تفاصيل التعقيدات الأسرية للصول إدريس، غير متسقة مع مجريات الأحداث، وذات منحى طويل للإشارة إلى التعقيدات العشائرية في الشرق، لأنها لا تضيف شيئا للعقدة الدرامية، رغم الحوارات المقتضبة باللهجة الأدروبية الشيّقة.
·       مكتب مكافحة المخدرات بالخرطوم متواضع وهادئ من حيث الكادر البشري والبنى التحية الضرورية للتصدي لهذه الظاهرة المتفاقمة، مما يدل على عدم المبالاة.
·       يلاحظ المشاهد مركزية التصوف وبخاصة شعائر المولد النبوي الشريف في حياة الناس في الجبل والشرق والمهاجر كذلك، لدى عامة الناس ومهربي المخدرات والبشر على حدٍ سواء. تقول شادية زوجة الضابط خالد متحسرة على تأخر إنجابها: (لو كان عندي جنا، كل مولد يكبر سنة). وهنالك المقارنة بين حلاوة المولد وتفضيلها على كافة انواع الشكلاتات، والمفاضلة بين دفئ النوبة وصوت التار، وحيوية الحراك الشعبي أيام الختمة والزفة مقارنة بإزدحام مولات دبي ..ألخ
·       بالإضافة إلى الحبكة "الجيّدة" فنيّاً، احتوى المسلسل على قدر لا بأس به من الآكشن، وجودة تصوير المشاهد وحيويّتها في فضاءات مفتوحة، وحوارات تصاعدية جادة، الأمر الذي جعلت اركان التشويق مكتملة وعالية، مما يجعلنا نجزم أن نجاح ومقبولية الدراما والسينما السودانية يتوقف على إبتعاده عن سديم حياة المدن إلى حيوية الريف والهوامش.
·       النهاية سعيدة، لكنها تقليدية وغير واقعية، فجميع المجرمين اما تم تصفيتهم او إيداعهم السجن، وتم لم شمل عائلة حاج النور بعودة صلاح وزواجه على الطريقة التقليدية، وعودة صديق كذلك من الغربة، لكن المخرج لم يوضح لنا كيف سيعيش صلاح؟ هل حصل على وظيفة محترمة حسب مؤهلاته تؤمن له الحد الأدنى من متطلبات الحياة، أم انه سيحمل "الطُوريّة" بدلاً عن شقيقته النعمة؟ لأن مبررات الهجرة ودوافع الاغتراب ما زالت كما هي.
من خلال تمحيص هذا العمل "الفني" الكبير، والذي شارك فيه حوالي مائة ممثل وممثلة، رسّخت قناعتنا أن الكتّاب الدراميين والممثلين السودانيين، متى ما وجدوا التمويل الكافِ والبيئة الفنية الحاضنة، تجدهم على قدر التحدي للمنافسة إبداعياً على المستويين الإقليمي والدولي، رغم اشتراك السيناريست المصري سامر عفيفي وهو كاتب مغمور ومتواضع، في كتابة سيناريو المسلسل والذي نراه غير مبرر أي اشتراك عفيفي.
//ابراهيم سليمان//


ليست هناك تعليقات: